الخميس , 11 سبتمبر 2025
محمد الزبيري
اتخذ الرئيس القائد عيدروس قاسم الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي ،نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، سلسلة من القرارات التي وُصفت بـ “الزلزال السياسي”، لتضع حدًا لمرحلة طويلة من المماطلة والتسويف الذي مارسته قوى داخل حكومة الشرعية، وفتحت الباب أمام مرحلة جديدة عنوانها الوضوح والحسم.
هذه القرارات جاءت بعد مسار طويل من التجارب المريرة مع الشراكة السياسية التي لم تجلب للجنوبيين سوى المزيد من الأزمات.
منذ توقيع اتفاق الرياض في نوفمبر 2019، التزم المجلس الانتقالي بكل بنود الاتفاق وقدّم تنازلات كبيرة لإنجاح الشراكة، لكن النتيجة كانت تعطيلًا متعمدًا لحقوق الجنوب ومحاولات لتهميشه.
المراقبون وصفوا ما جرى بأنه “تحول استراتيجي”، إذ لم يعد الانتقالي يقبل أن يُدار الجنوب عن بُعد، بينما تُعطّل القرارات وتُستخدم المناصفة كذريعة لتقاسم السلطة بين قوى لا وجود لها على الأرض.
*شراكة على الورق
الكثير من الجنوبيين باتوا مقتنعين أن الشراكة التي روّج لها البعض لم تكن سوى شراكة على الورق
يقول الصحفي والإعلامي صالح أبو عوذل
“المجلس الانتقالي قدّم منذ توقيع اتفاق الرياض سلسلة من التنازلات، في مقابل مماطلة مستمرة لسنوات، بينما كانت بعض القوى تمارس حكمًا ذاتيًا في مأرب وغيرها. رشاد العليمي نفسه لا يجرؤ على إصدار قرار واحد في مأرب، الخاضعة لسلطان العرادة والإخوان المسلمين، بينما استحوذ التنظيم حتى على قناة سبأ الحكومية.”
هذه المفارقة عمّقت شعور الجنوبيين بأن الشراكة كانت أداة لإضعاف الانتقالي ومحاولة ضرب رصيده الشعبي.
أحد الناشطين الجنوبيين قال: “شراكة لم تجلب لنا سوى البؤس والجوع، لا خير فيها”.
*استجابة للشارع الجنوبي
جاءت القرارات التي أصدرها الرئيس الزبيدي استجابة مباشرة لمطالب الشارع الجنوبي الذي ضاق ذرعًا بالمماطلة والالتفاف على الإرادة الجنوبية.
آلاف الجنوبيين رأوا أن الانتقالي تحمّل فوق طاقته من الضغوط والالتزامات، بينما استمرت حكومة الشرعية في تجاهل أبسط حقوق الموظفين والعسكريين الجنوبيين عبر عرقلة صرف المرتبات وتعطيل القرارات.
أنور التميمي، المتحدث الرسمي باسم المجلس الانتقالي، أوضح أن:
“ما يتعرض له شعب الجنوب من تجاهل لحقوقه المشروعة، وعرقلة صرف مرتبات موظفيه، وتعطيل تمكين كوادره، يمثل استهدافًا مباشرًا لجوهر الشراكة.”
يضيف التميمي “الأرض أرض الجنوب والقرار قراره، ولن تثنينا أي محاولات لتجويع شعبنا أو كسر إرادته.
في البيان الذي اصدره قطع الانتقالي الشك باليقين، مؤكّدًا أن الشراكة الحقيقية لا يمكن أن تقوم على الانتقاص والإقصاء، وأن الجنوب لن يقبل أن تتحول الشراكة إلى وسيلة لحرمانه من حقوقه.
*جذور الأزمة
للخوض في فهم القرارات الأخيرة، لا بد من العودة إلى اتفاق الرياض 2019، الذي شكّل محطة فارقة في علاقة الجنوب بالشرعية. حينها وافق المجلس الانتقالي على الشراكة السياسية، رغم أنه كان يمتلك اليد العليا بعد انتصاره في معارك عدن وأبين.
الانتقالي قدّم تنازلات مؤلمة، مثل القبول بالمناصفة في الحكومة وتأجيل ملف استقلال الجنوب، على أمل أن يقود الاتفاق إلى استقرار وصرف مرتبات الموظفين ودمج القوات. لكن ما حصل كان العكس، مع تعطيل صرف المرتبات وتعطيل قرارات تمكين الكوادر الجنوبية، وتمكين قوى محسوبة على الإخوان على حساب الانتقالي، وتأخير إعادة انتشار القوات الشمالية.
في مشاورات الرياض 2022، جدّد الانتقالي التزامه بالاتفاقات وشارك في تشكيل مجلس القيادة الرئاسي برئاسة رشاد العليمي، على أمل أن يكون المجلس مظلة توافقية، لكن سرعان ما تحول المجلس إلى أداة لتهميش الجنوب وتقييد الانتقالي.
*شراكة لم تنصف الجنوب
تجربة السنوات الماضية جعلت الجنوبيين ينظرون إلى الشراكة باعتبارها “شراكة على الورق”. أحد الإعلاميين كتب:
“شراكة لم تجلب للجنوبيين إلا البؤس والجوع والفقر، لا خير فيها. نحن نعترف بشراكة الرصاص والجبهات مع إخواننا الشماليين، أما الشراكة السياسية فقد استفاد منها فقط الفارون وحشرات الإعاشة.”
في بيانه أكدالمجلس الانتقالي أن:
“الشراكة لا يمكن أن تستمر على قاعدة الإقصاء والتهميش
وأن الجنوب لن يقبل أن تتحول الشراكة إلى وسيلة لحرمانه من حقوقه.
*الأرض للجنوب والقرار قراره
الانعكاسات السياسية للقرارات تمثلت في إعادة رسم ميزان القوى داخل مجلس القيادة الرئاسي: الزبيدي أصبح قائدًا يمتلك زمام المبادرة،وقادر على اجبار المتجاهلين لحقوق الجنوب على إعادة حساباتهم
كما اكدت هذه القرارات على أن الجنوب لن يُدار إلا بأبنائه، وأن زمن التعليق والانتظار انتهى.
كما أن القرارات وسيلة للضغط على الحكومة لوقف سياسة التجويع وكذلك تمكين كوادر جنوبية مؤهلة لتفعيل مؤسسات الدولة وتحريك عجلة الخدمات.
*الإعلام الجنوبي
مع قرار إعادة بث قناة عدن، يُعلن الجنوب أن صوته لن يُسلب بعد الآن، وأن الإعلام الجنوبي سيكون في صدارة المعركة السياسية.
*الإعلام الجنوبي يستعيد صوته
من أبرز القرارات التي اصدرها الرئيس الزبيدي تعيين الأستاذ صلاح العاقل نائبًا لوزير الإعلام. هذا القرار يحمل دلالات سياسية عميقة، إذ يؤشر إلى توجه جاد لإعادة بث قناة عدن الحكومية من مقرها الأصلي في التواهي بعد سنوات من الإيقاف والتهميش.
الإعلامي صالح أبو عوذل وصف هذه الخطوة بالتحوّل الكبير قائلاً:
“تعيين العاقل نائبًا لوزير الإعلام يعني أن المجلس الانتقالي يمضي نحو استعادة مؤسسات الجنوب، واحدة تلو الأخرى. إعادة قناة عدن إلى التواهي ليست مجرد عمل إداري، بل إعلان أن الجنوب لن يقبل بعد اليوم أن يكون بلا صوت.”
*الشارع الجنوبي
ردود الفعل الشعبية كانت ساحقة، مع دعم كبير لقرارات الزبيدي. ناشطون وصفوها بأنها “الفرصة الأخيرة للانتقالي لإثبات جدارة قيادته”، بينما أكد سياسيون محليون أن هذه الخطوات تمثل “التزامًا كاملًا بالقرار الجنوبي المستقل، ومسارًا نحو حكومة تعبّر عن تطلعات شعب الجنوب”.
في المجمل تمثل قرارات الرئيس الزبيدي تمثل نقطة تحول تاريخية في مسار القضية الجنوبية، فهي خطوة سياسية استراتيجية تعيد للجنوب موقعه الطبيعي في المعادلة اليمنية والإقليمية. هذه القرارات تعزز قدرة الانتقالي على حماية حقوق شعب الجنوب، وإعادة مؤسسات الدولة للعمل من عاصمتها الأصلية، وتفعيل الأجهزة الإدارية الحيوية بعد سنوات من التهميش.
الجنوب أصبح عنصرًا فاعلًا ومؤثرًا على المستوى الإقليمي والدولي، وصوته أصبح شرطًا أساسيًا لأي تفاوض أو اتفاق مستقبلي. ما حدث ليس نهاية الطريق، بل بداية مرحلة جديدة عنوانها الوضوح، الحسم، وإعادة بناء الدولة الجنوبية على أسس قوية ومؤسساتية، بما يعكس إرادة شعب الجنوب في تقرير مصيره وحماية حقوقه التاريخية والسياسية.
سبتمبر 11, 2025
سبتمبر 10, 2025
سبتمبر 5, 2025
سبتمبر 4, 2025