في خضم التجاذبات السياسية الراهنة، يعود مصطلح “الشرعية” ليتصدر المشهد الإعلامي، مقترناً في كثير من الأحيان باتهامات موجهة للمجلس الانتقالي الجنوبي بالتمرد أو التعطيل. هذه الاتهامات تفرض علينا، من باب المنطق والواقعية السياسية، طرح تساؤل جوهري لا يمكن القفز عليه: ما هي “الشرعية” اليوم؟ ومن يمثلها فعلياً في المعادلتين السياسية والعسكرية؟ إذا حاولنا تفكيك هذا المفهوم، وسلطنا الضوء على “مجلس القيادة الرئاسي” باعتباره رأس هرم السلطة، سنجد حقائق لا تقبل التأويل؛ فثلاثة من أعضاء هذا المجلس هم قيادات بارزة في المجلس الانتقالي الجنوبي. أما بقية الأعضاء، فينتمون لتيارات وقوى متباينة، يجمعها الإطار الشكلي بينما تفرقها التباينات الجوهرية، لدرجة أن الخلافات البينية باتت تطغى على أي مشروع وطني جامع يمكن الحديث عنه. أما إذا كان المقصود بـ”الشرعية” هو الأحزاب السياسية التقليدية، وتحديداً تلك التي تتخذ من مأرب مركزاً لثقلها، فإننا أمام مفارقة خطيرة. فهذه المنظومة لم تواجه اتهامات من خصومها السياسيين فحسب، بل طالتها اتهامات من داخل مجلس القيادة الرئاسي نفسه. ولعل تصريحات عضو مجلس القيادة، الشيخ عثمان مجلي، التي أشار فيها إلى بيع سلاح التحالف في “السوق السوداء”، تمثل دليلاً دامغاً على تآكل الثقة وتصدع الجبهة الداخلية لتلك القوى. نحن هنا لا نتحدث عن دعاية مضادة، بل عن شهادة من شريك في أعلى هرم السلطة. تأسيساً على ما سبق، يصبح من الواجب الوطني، وليس فقط الحق السياسي، مطالبة كل من يرفعون لافتة “الشرعية” في المنابر الإعلامية بتحري الدقة وتوصيف ما يعنونه فعلاً: هل يدافعون عن شرعية شكلية تفتقد القرار الموحد؟ أم عن أحزاب فقدت فاعليتها وتآكلت مصداقيتها؟ أم أن المصطلح بات مجرد أداة لتجريم الخصوم السياسيين دون أي سند واقعي؟ إن الشرعية الحقيقية لا تُستمد من اللافتات الإعلامية ولا من حملات التخوين، بل هي استحقاق يُنتزع بالقدرة على تمثيل الناس، وحماية الأرض، وتحمل المسؤولية الأخلاقية والوطنية. ومن هذه الزاوية، فإن الحقائق المرتسمة على الأرض في الجنوب أقوى من أي شعارات، وهي التي تحدد ملامح المرحلة القادمة، بعيداً عن ضجيج المصطلحات المستهلكة .