تأتي زيارة الرئيس القائد عيدروس بن قاسم الزبيدي إلى موسكو امتداداً لمسار تصاعدي من تثبيت الحضور الجنوبي في المشهد الدولي، بعد مشاركته الفاعلة الشهر الماضي في أعمال الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة. وهي مشاركة أكدت أن الجنوب لم يعد موضوعاً يناقش عنه الآخرون، بل طرفاً يطرح رؤيته ويقدم موقفه في صلب المنابر الدولية.
لم يعد الجنوب في مرحلة إثبات شرعية قضيته، فقد ترسخت المسألة الجنوبية بوعي شعبي راسخ وبواقع ميداني ثابت. التحدي اليوم هو إدارة هذا الحق ضمن موازين القوى، وصياغة شبكة علاقات استراتيجية تضمن حماية المشروع الوطني وتعزز قدرة الجنوب على التأثير في صناعة القرار.
وفي هذا السياق، تمثل زيارة موسكو خطوة محورية لا تقوم على المجاملة أو البروتوكول، بل على إعادة تموضع سياسي متزن، يهدف إلى تنويع الحلفاء وبناء شراكات واقعية في مجالات الطاقة والموانئ والبنية الاستراتيجية. فالجنوب يتحرك اليوم بثقة دولة تبني مصالحها ولا تضع مستقبلها في يد لاعب واحد.
لقد حاولت أطراف مختلفة عبر سنوات مضت إبقاء الجنوب في إطار تمثيلات شكلية وشرعيات بلا تأثير، إلا أن الوعي الجنوبي ظل يرفض هذا الانتقاص. واليوم يعيد الجنوب صياغة موقعه كشريك فاعل، مالك الأرض والإرادة والقرار.
التحرك نحو موسكو ليس تبديل محور بآخر، بل انتقال نحو معادلة أكثر اتزاناً، توزع فيها مراكز الثقل وتصان فيها استقلالية القرار. إنها خطوة تكسر احتكار التأثير، وتفتح للجنوب فضاءات أوسع للحضور والمشاركة في لحظة يعاد فيها رسم الخرائط الإقليمية والدولية.
إن دخول الجنوب لحظة الفعل الدولي يعني أن زمن الانتظار قد انتهى. والجنوب اليوم لا يترقب ما يقرر بشأنه، بل يصوغ حضوره ويشارك في صناعة مسارات المستقبل بثقة ووعي وإرادة ثابتة.