الإثنين , 4 أغسطس 2025
محمد الزبيري
في مرحلة بالغة التعقيد
بلغت فيها الأزمات ذروتها، وتقاطعت الضغوط الداخلية والخارجية على الجنوب، وجد المواطن نفسه محاصرًا من كل الجهات؛ بانهيار العملة، وتردي الخدمات، وتغول الفساد، وتوسع الانقسام الإداري والمالي.
وسط هذا المشهد القاتم، لم يتردد الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي في النزول بثقله الكامل إلى قلب المعركة متجاوزًا الخطابات الإنشائية ومفردات التبرير، إلى أفعال ملموسة وخطط ممنهجة تهدف إلى إصلاح جذري لا يتوقف عند معالجة الأعراض، بل يتوجه مباشرة إلى الجذور.
ما يجري اليوم في العاصمة عدن ومحافظات الجنوب، لم يعد حالة إسعافية أو مجرد تحركات آنية لتسكين الأزمات، بل يمثل تحولًا استراتيجيًا في نهج إدارة الدولة.
ويؤكد بجلاء أن القيادة الجنوبية، ممثلة بالرئيس الزُبيدي، باتت تتعامل مع التحديات بنَفَس طويل، وعين سياسية تزن التداعيات، وقرار تنفيذي يتكئ على فهم شامل لمصادر الانهيار وطبيعة المعركة الاقتصادية.
في هذا السياق، تأتي الخطوات الأخيرة كرؤية إنقاذية تؤسس لمرحلة استعادة الثقة الشعبية، وفرض هيبة الدولة، وتمهيد الطريق نحو مشروع سياسي واقتصادي متكامل يعيد للجنوب مكانته ودوره ومؤسساته.
*قيادة في قلب المعركة
في زمنٍ اعتاد الناس فيه أن ينأى السياسيون بأنفسهم عن الملفات المعقدة، ويفضلون البقاء في هامش القرارات الفنية، خالف الرئيس الزُبيدي هذه القاعدة، وأصرّ على أن يكون حاضراً في عمق الملفات، وخاصة الملف الاقتصادي الذي يعتبر الأكثر اشتعالًا وحساسية. لم يكتفِ بدوره كممثل سياسي للجنوب في رئاسة المجلس القيادي، بل دخل بنفسه إلى ميدان المعركة الاقتصادية، وأشرف على بلورة قرارات صارمة، شملت مختلف الجوانب من ضبط السوق المصرفي، إلى إعادة تنظيم البنية الإدارية للمؤسسات.
لقد شكّلت قرارات الزُبيدي الأخيرة، وفي مقدمتها الإجراءات المرتبطة بإعادة ضبط نشاط الصرافة، ومحاربة شبكات المضاربة التي تنهش جسد العملة، وتحجيم دور مراكز النفوذ المالي، تحولاً في طريقة التعاطي مع الأزمات.
كما جاءت هذه الإجراءات بعد تراكم شكاوى شعبية، وضغوط مجتمعية، لتؤكد أن القيادة تُصغي وتتحرك، وأنها تتحمل مسؤولية حماية الاقتصاد الوطني من العبث والمصالح الضيقة.
وبالفعل، بدأت الأسواق تلتقط إشارات الثقة، ووشهد سعر الريال اليمني تحسنًا نسبيًا، ما عكس نفسه على بعض أسعار السلع الأساسية.
هذه النتائج الأولية أعادت التأكيد على أن الإرادة السياسية حين تقترن بالإجراءات الحازمة، قادرة على إحداث تغيير حقيقي حتى في أصعب الظروف.
*استعادة زمام المبادرة
من أبرز التحديات التي واجهها الجنوب خلال السنوات الماضية، كانت حالة الانفلات المصرفي والتلاعب بسوق الصرف، التي لم تكن مجرد ظواهر اقتصادية، بل تحولت إلى أدوات حرب ممنهجة تُستخدم لضرب الاستقرار.
أدركت القيادة الجنوبية، وعلى رأسها الرئيس الزُبيدي، خطورة هذا المسار، فسارعت إلى إصدار توجيهات حاسمة بتكثيف الرقابة على السوق، وتجفيف منابع المضاربة، وإعادة الاعتبار لدور البنك المركزي في عدن كمؤسسة سيادية يجب أن تُحترم قراراتها.
وفي هذا الإطار، جاءت قرارات إغلاق العشرات من محلات الصرافة غير المرخصة، وتجميد أنشطة جهات ثبت تورطها في التلاعب بالعملة، كإشارة واضحة إلى أن العهد الجديد لا يقبل التهاون مع العبث الاقتصادي، وأن الجنوب لن يبقى رهينة للمافيات المالية التي تنمو في ظل غياب الرقابة.
وقد نقل مصدر مطلع في البنك المركزي بعدن أن الفترة الأخيرة شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في مستوى الامتثال المصرفي، خصوصًا بعد أن شُكّلت فرق ميدانية للرقابة، مدعومة مباشرة من المجلس الانتقالي، ما أعطى هذه الحملات شرعية وفاعلية في التنفيذ.
وقد بدأت هذه الحملات تؤتي ثمارها، ليس فقط في استقرار سعر الصرف، بل في خلق بيئة جديدة أكثر انضباطًا وشفافية، وهي الخطوة الأولى نحو تحقيق إصلاح نقدي شامل يضع حدًا للابتزاز الاقتصادي الذي عانى منه المواطن طويلًا.
*المواطن يلامس نتائج التحرك
من الأمور التي كانت تفصل المواطن عن السلطة خلال الفترات السابقة، هو غياب الأثر المباشر لأي قرار حكومي، بحيث يشعر الناس أن ما يُتخذ في المكاتب لا علاقة له بما يحدث في السوق. لكن مع الخطوات الأخيرة، بدأت المسافة تنكمش تدريجيًا، وبدأ المواطن يشعر أن هناك قيادة تتحرك لصالحه، وأن نتائج هذه التحركات تنعكس على حياته اليومية بشكل ملموس.
تراجعت أسعار بعض المواد الغذائية الأساسية، وبدأ السوق يستعيد شيئًا من التوازن، كما سجلت أزمة المشتقات النفطية تراجعًا نسبيًا، نتيجة إعادة تنظيم آلية الاستيراد والتوزيع، وتشغيل المصفاة، وفتح قنوات رقابة جديدة تحدّ من الاحتكار والمضاربة.
هذه المؤشرات، وإن كانت في بداياتها، تحمل دلالات هامة على جدية المرحلة، وعلى وجود إرادة حقيقية لتخفيف معاناة المواطن، بعيدًا عن التلاعب الإعلامي أو الوعود الفارغة.
وفي هذا السياق، يقول المواطن (علي سالم – موظف حكومي
“الوضع كان سيئ جدًا في الأشهر الماضية، لكن مؤخرًا بدأنا نشعر بأن هناك جهة تتدخل لصالح المواطن.
صرفنا رواتبنا بقيمة صرف أفضل، وانخفضت أسعار بعض السلع ٬ نريد فقط أن تستمر هذه الجهود ونرى نتائجها على المدى البعيد”.
*إحياء شريان الدولة
من بين الملفات التي ظلت تُستخدم كورقة ابتزاز سياسي واقتصادي ضد الجنوب، يأتي ملف مصافي عدن كواحد من أبرز تلك التحديات التي أُهملت لعقود. فالمصفاة التي كانت تُعد شريانًا اقتصاديًا أساسيًا ليس لعدن فقط، بل لليمن كله، تحولت بفعل الإقصاء المتعمد والتدمير الممنهج إلى منشأة هامشية أشبه بجثة اقتصادية هامدة.
منذ عودة الرئيس الزُبيدي من الخارج، بدأت أولى خطوات إعادة الروح إلى هذه المنشأة الوطنية.
فتم تشكيل لجنة عليا لإعادة تشغيل المصافي، مدعومة بقرارات مباشرة من قيادة المجلس الانتقالي، وجرى فتح قنوات تواصل مع المستثمرين والشركاء الفنيين لإعادة تأهيل البنية التحتية والتقنية، بالتوازي مع التنسيق مع وزارة النفط لتأمين تدفق النفط الخام إليها بدلًا من تحويله إلى مصافي مأرب أو عبر وسطاء وشركات فاسدة.
الهدف من هذه الخطوة لم يكن اقتصاديًا فحسب، بل أيضًا سياديًا، إذ أرادت القيادة أن تعيد للمصفاة دورها التاريخي كمركز سيطرة على سوق الوقود المحلي، وكأداة لتحجيم الاحتكار الذي تمارسه شركات خاصة وشبكات فساد استفادت لعقود من تعطيل المصافي.
لقد بات واضحًا أن إعادة تشغيل المصفاة تعني استعادة قرار الطاقة، وإنهاء التبعية للخارج، وتوفير آلاف فرص العمل، واستقرار أسعار الوقود داخليًا، فضلًا عن استعادة أحد أهم رموز الدولة الحديثة في الجنوب.
*معركة الوعي
في خضم هذه التحركات الإدارية والاقتصادية، لم تكن الآلة الإعلامية المعادية بعيدة عن المشهد، بل صعّدت من حملاتها ضد المجلس الانتقالي الجنوبي وقيادته، محاولة التشكيك في الإصلاحات، وتسويق الأكاذيب حول الوضع الاقتصادي، تارةً بتضخيم الأزمات، وتارةً بتشويه الإجراءات المتخذة.
لكن ما يميز هذه المرحلة، هو أن المجلس الانتقالي لم يكتفِ بالصمت، بل واجه هذه الحملات بحملة إعلامية مضادة، قوامها الشفافية والتوضيح الفوري للحقائق.
كما تم تفعيل المؤسسات الإعلامية التابعة للجنوب، وتوجيهها نحو كشف الفساد وفضح أدوات الإخوان والشرعية التي تمارس التضليل من الخارج.
الرهان اليوم بات على وعي الشارع الجنوبي، الذي أصبح أكثر إدراكًا لما يُحاك ضده، وأكثر ثقة بأن حملات التشويه ما هي إلا صدى لنجاح الزُبيدي في فرض واقع جديد يقلب المعادلة السياسية والاقتصادية.
* نحو مشروع الدولة
ليس من السهل إعادة بناء اقتصاد في بلد مزقته الحرب، وفككت مؤسساته، وضربت عملته، وتداخلت فيه المصالح الإقليمية والدولية.
لكن ما يفعله المجلس الانتقالي بقيادة الرئيس الزُبيدي هو وضع حجر الأساس لمشروع وطني جنوبي متكامل، يعيد الاعتبار للسيادة الاقتصادية، ويبني دولة قادرة لا خاضعة.
ففي كل خطوة إصلاحية، وكل قرار هيكلي، وكل تحرك على الأرض، تتجلى ملامح مشروع وطني حقيقي، لا يعتمد على المعونات والهبات، بل على إعادة تشغيل مؤسسات الدولة، والاستفادة من ثروات الجنوب، وضبط السوق، وتشجيع الاستثمار الوطني، وتفعيل الرقابة والمحاسبة.
إن ما يميز هذا المشروع أنه لا يُبنى على شعارات أو تمنيات، بل على قرارات جريئة وواقع ملموس، وخطاب سياسي واضح يستمد شرعيته من الأرض والشعب
تحركات لرئيس الزُبيدي تؤكد أن الرجل لا يدير فقط أزمة اقتصادية، بل يقود مشروعًا لتحرير الدولة من داخلها، من الفساد والتسيب والانهيار، تمامًا كما يُقاتل في الميدان من أجل استعادة سيادتها.
يخوض الرئيس معركة مركبة وفي مواجهة جيوش من الأعداء والمخربين والمعرقلين لكن ما يبعث على الطمأنينة أن هناك قيادة لا تهرب من المواجهة، بل تصنع الفرق، وتُعيد الأمل لمواطن فقد ثقته في كل شيء إلا في الأرض والحق.
أغسطس 3, 2025
أغسطس 3, 2025
أغسطس 3, 2025
أغسطس 3, 2025