في كلام مهم أود قوله. هناك حالة من سوء الفهم تتفاقم باستمرار في الساحة الجنوبية. وأعني بذلك الخلط الذي يربك تصورات وقناعات قطاع واسع من الجنوبيين بشأن المشهد ككل والأخطار المحدقة بوطنهم وأرضهم. حتى صار الكثير مؤمناً أن مجموعات النساء والشباب الذي يخرجون في وقفات احتجاجية ما هم إلا مجاميع مدفوعة أو قادمة من خلف الأسوار لهدم عدن. وأن لديهم مخططات أشرفت عليها المخابرات ومولتها خزائن الأحزاب الشمالية.
هذا المستوى من الخلط نتائجه الفورية سيئة: سوء أحكام. زيادة الاحتقان. تفشي لغة المناطقية والعنصرية. إفشال الاحتجاجات وإجبار الناس على الموت الهادئ في بيوتهم ومنازلهم بسبب الضغط والسكر والحرارة والجوع وإلى آخره من الأسباب التي لا تنتهي.
حسنًا، دعونا نضع إطارًا منطقياً لكل هذا. نقر بوجود أنشطة ومشاريع شمالية تستهدف الجنوب. هذا الأمر ليس جديداً وليس اكتشافًا طارئًا هو موجود منذ ما قبل 1967 إلى اليوم. تعددت أساليبه وأنماطه وأوجهه لكن أهدافه غالباً كانت إخضاع الجنوب والانتفاع بثرواته، واستغلال خصوصياته الثقافية والاجتماعية وطبيعة شعبه المقاتل المتمرد في نشر الفوضى والاحتراب الداخلي.
في الوقت الراهن هذه المشاريع والأنشطة يتصدرها الحوثيون عبر الأعمال العسكرية العدائية التي دفعنا ولا زلنا ندفع كجنوبيين فاتورة دم باهظة لردها عن بلادنا ودحرها. بالإضافة للأعمال الأمنية العدائية التي فتكت بخيرة رجالنا وفجرت مدننا وهي موجودة باستمرار عبر الخلايا والعبوات التي يصدرونها إلى أرضنا.
لكن الخطر الشمالي لا يقتصر على الحوثيين. هناك من يعمل بأدوات أخرى حتى من الأطراف الشمالية التي نتحالف معها الآن تحالف الضرورة ضمن المجلس الرئاسي والحكومة. هذه الأنشطة تشمل الفساد والنفوذ المريع في ملفات النفط والإغاثة والسلك الدبلوماسي حيث يعمل السفراء والدبلوماسيون اليمنيون الشماليون بطاقة لا تنضب وهمة لا تلين في تشويه قضية الجنوب وزرع التوجس والرهبة منها في الأوساط الدولية.
هناك مشاريع شمالية ضد الجنوب على مستويات كثيرة استراتيجية. لكن صدقًا لن يكون الدفع بمئات النازحين أو النازحات إلى ساحة العروض هو الخيار الأكثر مثالية أو عقلانية للأطراف الشمالية كما يفترض بعض الجنوبيين. هؤلاء الذين خرجوا أخرجهم الجوع والفقر وهم من نساء ورجال الجنوب الذين يحملون في قلوبهم وطنية لا تقل عن أي حد مننا.
قد تتقاطع الاحتجاجات مع خلق ثغرات أمنية وهذا أمر مسلم به لكن هذا يأتي ضمن (التداعيات) التي يجب أن أدفع ثمنها كسلطة جنوبية تسيطر على عدن ومساحة شاسعة من الجنوب لأنني فشلت خدميًا واقتصاديًا. كيف ذلك؟ عبر زيادة الاحترازات والاحتياطات الأمنية لا عبر قمع الناس والمحتجين ومنع الوقفات السلمية كما يحدث الآن وهذه خطوة خطيرة ننصح محافظ عدن وإدارة الأمن بالتراجع الفوري عنها.
كلمة أخيرة للزملاء الإعلاميين والصحفيين والنشطاء وصناع المحتوى: نحن في مرحلة فارقة حساسة ولحظة مصيرية من تاريخنا لا تحتمل المزايدات والمكايدات. لا تكونوا جزءً من آلة تسميم وعي الجنوبيين وزيادة حالة اللغط والخلط والإرباك. ساعدوهم في الفهم المستنير للمشهد والانطلاق من البديهيات المنطقية الأساسية في تفسير ما يجري حولهم من أجل وقاية وطننا وعدننا من الاختراق والمناطقية والكراهية.