في هذا اليوم المشؤوم، تم إعلان وحدة اندماجية مفاجئة بين دولتين مستقلتين، جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية، تم تنصيب علي عبد الله صالح رئيسًا لما سُمّيت “دولة الوحدة”، وتعيين علي سالم البيض نائباً له.
لم تكن تلك الوحدة وليدة تخطيط علمي أو تفاهمات عادلة، بل جاءت بلا أسس واضحة، ولا ضمانات تحفظ الحقوق أو تصون السيادة، فتحوّلت من حلم شعبي إلى كابوس سياسي واجتماعي، لم تكن وحدة شعبين، بل كانت ضما قسريا انتهى به الأمر إلى احتلال ناعم، رافقه الإقصاء والتهميش، والنهب الممنهج لثروات الجنوب،
ومنذ اليوم الأول، تحوّلت أرض الجنوب إلى ساحة مفتوحة لانتهاك الكرامة، والتسلط، ونهب الثروات المعدنية والسمكية، والتسريح القسري لعشرات الآلاف من العسكريين والمدنيين الجنوبيين من وظائفهم، بأعداد تجاوزت 800 ألف موظف، وتجاوز الأمر حدود السياسة، ليصل إلى إصدار فتاوى تكفّر شعب الجنوب وتبرر سفك دمه..
لقد كان 22 مايو بداية لمعاناة لم تنتهِ، ذكرى تعيد للذاكرة صور الوجع والخذلان، وتفتح جراحا لم تندمل، فعوضًا عن وحدة تكفل العدالة والمساواة، عاش الجنوب ثلاثة عقود من الظلم والاستبداد والنهب والتجويع.
اليوم، لم تعد أحلام الجنوبيين تتجاوز حدود الرغيف والكهرباء والماء النقي، صارت أبسط حقوق الإنسان رفاهية بعيدة المنال، والجنوب يعيش في ظل واقع مفروض بالقوة، لا صوت فيه لأهله ولا قرار.
في 22 مايو 1990م، ودّع شعب الجنوب دولة النظام والقانون، ودّعوا دولة كانت تكفل التعليم، والصحة، والخدمات، ودولة كانت تملك عملة من أقوى العملات في الجزيرة العربية، توازي ثلاثة دولارات للدينار،
ودّعوا وطنًا كان لهم… فصاروا فيه غرباء لا يُستشارون في حاضرهم ولا مستقبلهم،
لكن رغم كل شيء، الحلم لم يمت…والأمل بالخلاص لا يزال قائماً..!!
ورغم كل ذلك، لم تنكسر إرادة الجنوبيين، لا تزال الوجوه المتعبة تنبض بكرامةٍ تأبى الذل، ولا تزال النفوس مشبعة بالانتماء، والحلم بالخلاص صار أكثر وعياً ونضجا، لم نعد نؤمن بالأوهام، بل بالحق، والحق وحده من يصنع الأوطان.
يجب تعزيز الوعي العام الجنوبي بأهمية هذه الذكرى كمحطة مفصلية في مسار الكفاح الوطني لاستعادة دولة الجنوب كاملة السيادة..
ويبقي الجنوب كما عهدناه حراً أبياً شامخاً لا ينكسر..