الإثنين , 13 أكتوبر 2025
محمد الزبيري
في لحظة تاريخية فارقة، ومع الذكرى الثانية والستين لثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة، تعود الروح الوطنية لتنبض بقوة في كل شبر من أرض الجنوب. من قمم جبال الضالع الشامخة، إلى أزقة شبام حضرموت العريقة، ومن عدن الباسلة إلى سواحل المهرة وأبين وشبوة، يستعد الجنوبيون لتسطير ملحمة جديدة من الوفاء والانتماء.
هذه ليست مجرد احتفالات عابرة، بل هي استفتاء شعبي هادر، ورسالة سياسية مدوية للعالمين الإقليمي والدولي، مفادها أن شعب الجنوب، ورغم كل التحديات الجسيمة والظروف المعقدة التي تحيط به، ما زال متمسكًا بحلمه الأبدي: استعادة دولته المستقلة كاملة السيادة. الحشود التي تتأهب للخروج ليست أرقامًا تُحصى، بل هي لوحة وطنية متكاملة تُرسم بدماء الشهداء وعزيمة الأحياء، وتُجسد أسمى معاني التكاتف والتآزر ووحدة الصف خلف قيادة سياسية واحدة، ممثلة في المجلس الانتقالي الجنوبي ورئيسه القائد عيدروس قاسم الزُبيدي.
*الضالع وشبام: شرارة الاحتفالات ورمزية المكان
لم يكن اختيار الضالع وشبام حضرموت كنقاط انطلاق محورية لهذه الاحتفالات الكبرى محض صدفة.
فكل مدينة تحمل في طياتها رمزية عميقة تضرب بجذورها في تاريخ النضال الجنوبي.
الضالع، بوابة الجنوب الشمالية وحصنه المنيع، التي قدمت قوافل من الشهداء على مر العقود دفاعًا عن الهوية والأرض، تقف اليوم لتؤكد أنها خط الدفاع الأول ليس فقط عسكريًا، بل وشعبيًا أيضًا.
إن احتفالاتها بذكرى أكتوبر هي تأكيد على أن الروح القتالية التي قهرت الميليشيات الحوثية وقبلها قوات الاحتلال اليمني، هي ذاتها الروح التي تتوق للحرية والاستقلال.
أما شبام حضرموت، “مانهاتن الصحراء” بتاريخها الثقافي والحضاري العظيم، فإن خروج أبنائها بهذه الكثافة يبعث برسالة واضحة بأن حضرموت، بكل ثقلها التاريخي والاقتصادي، هي قلب الجنوب النابض وضلع أساسي في مشروع الدولة الفيدرالية القادمة.
إن هذه الحشود في المدينتين، والتي ستتبعها حشود مماثلة في باقي المحافظات، هي بمثابة إعلان شعبي بأن الجنوب وحدة جغرافية وسياسية وثقافية غير قابلة للتجزئة أو المساومة.
*رسالة سياسية عابرة للحدود: لمن تُقرع أجراس أكتوبر؟
إن الحشود الجماهيرية التي شهدتها الضالع اليوم ليست مجرد تعبير عن فرحة داخلية، بل هي في جوهرها رسالة سياسية متعددة الأبعاد موجهة بدقة إلى أطراف عدة.
إلى الداخل: هي رسالة وحدة وتكاتف، تؤكد أن أي خلافات ثانوية تتلاشى أمام الهدف الأسمى وهو استعادة الدولة.
هي أيضًا رسالة دعم وتفويض مطلق للمجلس الانتقالي الجنوبي، تؤكد أنه الممثل الشرعي والوحيد لشعب الجنوب، وأن أي محاولات لخلق كيانات موازية أو إضعاف الموقف الجنوبي مآلها الفشل.
إلى الإقليم: هي رسالة طمأنة وجدية. طمأنة بأن دولة الجنوب القادمة ستكون عامل استقرار في المنطقة، وشريكًا فاعلًا في محاربة الإرهاب وتأمين الملاحة الدولية، وحليفًا استراتيجيًا لدول التحالف العربي. وجدية في أن قضية الجنوب ليست ورقة تفاوضية يمكن التنازل عنها في أي تسوية سياسية قادمة لا تلبي تطلعات شعبه.
إلى المجتمع الدولي:هي رسالة حق تقرير المصير. تذكير للعالم بأن هناك شعبًا حيًا، له هويته وتاريخه وتطلعاته، قدّم تضحيات جسامًا من أجل حريته. هذه الحشود تطالب الأمم المتحدة ومجلس الأمن والدول الفاعلة بالنظر إلى القضية الجنوبية بعين العدل والإنصاف، والاعتراف بحق هذا الشعب في اختيار مستقبله السياسي، تمامًا كما كفلته المواثيق والقوانين الدولية.
إن تجاهل هذه الإرادة الشعبية الجارفة لم يعد خيارًا ممكنًا أو مستدامًا.
*تضحيات الأبطال: وقود الثورة المستمرة
في خضم هذه الاحتفالات، لا يمكن إغفال التضحيات الهائلة التي يسطرها أبطال القوات المسلحة والأمن الجنوبية في مختلف جبهات القتال.
وفي مشهد الاحتفال في الساحات، يقف الجنود البواسل على خطوط النار، يدافعون عن الأرض والعرض، ويواجهون بشجاعة نادرة تنظيمات الإرهاب والميليشيات المعادية.
إن كل هتاف يصدح في الميادين هو صدى لطلقة أُطلقت في جبهة، وكل راية تُرفع هي تكريم لدم شهيد روى تراب الوطن. يشعر أبناء الجنوب بفخر واعتزاز لا حدود لهما بهؤلاء الأبطال، ويدركون أن الأمن والاستقرار النسبي الذي تنعم به المحافظات المحررة هو ثمرة تضحياتهم. لذلك، تأتي ذكرى أكتوبر هذا العام لتؤكد على هذا التلاحم الفريد بين الجبهتين: الجبهة الشعبية في الميادين، والجبهة العسكرية في المتاريس، وكلاهما يهدف إلى تحقيق غاية واحدة: وطن آمن، حر، ومستقل.
* من حامل للقضية إلى ربان للسفينة
منذ تأسيسه، برز المجلس الانتقالي الجنوبي باعتباره الوعاء الوطني الذي احتضن تطلعات شعب الجنوب وآماله. لم يكن مجرد حزب سياسي، بل كيان جامع يمثل مختلف أطياف المجتمع الجنوبي، من سياسيين وعسكريين وأكاديميين ومثقفين وقبائل ومنظمات مجتمع مدني. لقد نجح المجلس، بقيادة الرئيس عيدروس الزُبيدي، في تحويل القضية الجنوبية من مجرد قضية حقوقية ومطلبية إلى مشروع وطني تحرري متكامل، له رؤيته السياسية وأدواته العسكرية والدبلوماسية. إن الحشود التي تخرج اليوم لتجديد التفويض للمجلس، إنما تفعل ذلك عن قناعة راسخة بأنه الأقدر على قيادة سفينة الجنوب نحو بر الأمان.
هذا التفويض الشعبي ليس شيكًا على بياض، بل هو عقد متجدد من الثقة، وتكليف واضح للمجلس باستكمال المهام الوطنية العاجلة، وعلى رأسها تحرير ما تبقى من أرض الجنوب، وتحديدًا وادي حضرموت والمهرة، من براثن الاحتلال اليمني وقوى الإرهاب التي تتخذه ملاذًا آمنًا.
*من 14 أكتوبر إلى 30 نوفمبر: استلهام الماضي لبناء المستقبل
عندما يستذكر الجنوبيون اليوم شرارة ثورة 14 أكتوبر 1963 التي انطلقت من جبال ردفان الشماء، فإنهم لا يستحضرون مجرد حدث تاريخي، بل يستلهمون روح التحدي والإصرار التي مكنت آباءهم وأجدادهم من طرد إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس.
إن المقارنة بين الأمس واليوم تبعث على الفخر وتجدد العزيمة. فكما واجه الثوار الأوائل أقوى إمبراطورية في عصرهم بإمكانيات بسيطة ولكن بإرادة فولاذية، يواجه الجنوبيون اليوم تحديات لا تقل ضراوة، من أعداء متعددين ومؤامرات معقدة.
إن استذكار مسيرة النضال التي تُوجت بالاستقلال الأول في 30 نوفمبر 1967، يمنح الجيل الحالي الثقة بأن النصر ممكن، وأن التضحيات لا تذهب سدى. هذه الذكرى هي بمثابة تذكير بأن العزيمة والإيمان بالهدف هما أقوى سلاح يمكن أن يمتلكه أي شعب، وأن الجنوبيين الذين قهروا الاحتلال البريطاني قادرون اليوم على تحقيق استقلالهم الثاني واستعادة دولتهم التي ضاعت في مشروع وحدة غير متكافئ.
*وحدة الصف والتكاتف: حجر الزاوية في كل انتصار
تُجمع كل الأدبيات السياسية والتجارب التاريخية على أن وحدة الصف الداخلي هي الشرط الأساسي لتحقيق أي نصر خارجي.
ويدرك أبناء الجنوب هذه الحقيقة أكثر من غيرهم. إن اللوحة التي ترسمها الحشود المليونية في مختلف المحافظات هي أبلغ تعبير عن هذا الإدراك. إنها صورة حية للتكاتف والتآزر، ونبذ للخلافات، وتأكيد على أن الجميع يقف في خندق واحد خلف هدف واحد. هذه الوحدة ليست مجرد شعار يُرفع، بل هي ممارسة فعلية تتجلى في الالتفاف الشعبي حول القوات المسلحة الجنوبية، والدعم الكامل للمجلس الانتقالي الجنوبي. إن الرسالة هنا واضحة: قوة الجنوب تكمن في وحدته، وأي محاولة لشق الصف أو زرع الفتنة هي خيانة لدماء الشهداء وتضحيات المناضلين. إن العمل على ترسيخ هذه الوحدة وتعميقها هو الواجب الوطني الأقدس في هذه المرحلة، لأنه ببساطة، هو أساس الانتصار المنشود وضمانة تحقيق الحلم باستعادة دولة جنوبية مستقلة ذات سيادة.
*تجديد العهد للشهداء: على دربكم سائرون*
تحمل ذكرى ثورة أكتوبر هذا العام معنى خاصًا، فهي تأتي لتجديد العهد مع من قدموا أرواحهم فداءً للوطن. من شهداء ثورة أكتوبر الأولى، مرورًا بشهداء النضال السلمي، وصولًا إلى شهداء الحرب ضد الميليشيات الحوثية والتنظيمات الإرهابية، يقف الجنوبيون اليوم وقفة إجلال وإكبار أمام تضحياتهم. إن خروج هذه الجماهير الحاشدة هو رسالة لأرواح الشهداء بأن دماءهم لم تذهب هدرًا، وأن الأهداف التي استشهدوا من أجلها ما زالت حية في قلوب الملايين. كما أنها رسالة للجرحى الأبطال بأن تضحياتهم محل تقدير، وأن الوطن لن ينساهم. هذا العهد المتجدد هو وقود إضافي لمواصلة مسيرة النضال، وهو تأكيد على أن شعب الجنوب لن يحيد ولن يتراجع عن هدفه الأسمى في التحرير والاستقلال الكامل، مهما كلف ذلك من تضحيات
*إرادة شعب لا تُقهر نحو الاستقلال الثاني*
في المحصلة النهائية، فإن الاحتفالات بالذكرى الثانية والستين لثورة 14 أكتوبر ليست مجرد مناسبة عابرة، بل هي محطة مفصلية في تاريخ نضال شعب الجنوب. إنها استفتاء شعبي على الهوية، وتجديد للعهد مع الشهداء، وتفويض مطلق للقيادة السياسية ممثلة بالمجلس الانتقالي الجنوبي. إنها رسالة للعالم بأن شعب الجنوب قد حسم أمره، واختار طريقه نحو استعادة دولته كاملة السيادة. الحشود المليونية التي ستملأ الساحات في الضالع وشبام وحضرموت وعدن وكل مدن الجنوب، هي التعبير الصريح والنهائي عن إرادة شعب لا تُقهر، وعزيمة فولاذية لا تلين. إنها إعلان بَدْء العد التنازلي لتحقيق الاستقلال الثاني، ورفع علم دولة الجنوب الفيدرالية المستقلة عاليًا خفاقًا في كل ربوع الوطن. لقد قال الشعب كلمته، وعلى العالم أن يستمع.
أكتوبر 13, 2025
أكتوبر 13, 2025
أكتوبر 13, 2025
أكتوبر 13, 2025