وتحذيراتُ المجلس الانتقالي هي تعبيرٌ عن موقفٍ سياسيٍّ ناضجٍ يقوم على الثبات في المبادئ والمرونة في الوسائل. فالمجلس يدعم جهودَ السلام، وفي الوقت نفسه يرفض أيَّ محاولاتٍ لتذويب القضية الجنوبية في إطار حلولٍ ترقيعيةٍ أو مؤقتة.
وتأتي هذه الرسائل لتذكّر الفاعلين الدوليين بأن الجنوب يمتلك مشروعًا وطنيًا واضحًا ومتماسكًا، وليس مجرد ردِّ فعلٍ على أزمات الشمال. فمشروعُ الدولة الجنوبية الحديثة يستند إلى مرجعياتٍ سياسيةٍ وإداريةٍ وأمنية، وإلى قاعدةٍ جماهيريةٍ واسعةٍ أثبتت حضورَها في كل المناسبات الوطنية.
وتحمل التحذيراتُ الصادرةُ عن المجلس الانتقالي الجنوبي في جوهرها دعوةً لإعادة صياغةِ مفهوم السلام، بحيث يقوم على الاعتراف بالحقائق الميدانية والسياسية، لا على الأوهام القديمة.
فالجنوب اليوم يمتلك أرضًا وشعبًا ومؤسساتٍ، وله قيادةٌ سياسيةٌ موحدةٌ قادرةٌ على تمثيله والتحدث باسمه. وأيُّ تجاهلٍ لذلك يعني القفزَ على الواقع، وهو ما لن يسمح بسلامٍ دائمٍ ولا باستقرارٍ مستقبلي.
وفي المحصلة، تعكس تحذيراتُ المجلس الانتقالي الجنوبي وعيًا استراتيجيًا وإدراكًا عميقًا لطبيعة المرحلة القادمة، حيث تتبلور ملامحُ تسويةٍ جديدةٍ للملف اليمني.
ومن الواضح أن المجلس يريد أن يبعث برسالةٍ واضحةٍ مفادُها أن الجنوب ليس هامشًا في المعادلة، بل هو قلبُها ومحورُها الأساسي، وأن أيَّ سلامٍ لا يمر عبر القضية الجنوبية وممثلها الشرعي هو سلامٌ ناقصٌ محكومٌ عليه بالفشل.
إن الجنوب اليوم لا يدافع فقط عن حقه التاريخي في الاستقلال، بل أيضًا عن حق المنطقة في الاستقرار الحقيقي، انطلاقًا من مبدأ أن العدالة السياسية هي أساسُ السلام، وأن الاعتراف بالجنوب هو الخطوةُ الأولى نحو يمنٍ مستقرٍّ وآمنٍ وعلاقاتٍ إقليميةٍ متوازنة.




















