لم يكن الإصلاح يومًا مشروعًا وطنيًا، بل كان دومًا مشروع سلطة بلا أخلاق ونفوذ بلا مسؤولية. حيثما حلّ، حضرّت الأزمات، وتكاثرت الفتن، وتراجعت هيبة القانون، وغابت كرامة المواطن. وبقاء هذا الحزب في واجهة القرار يعني استمرار البلاد رهينة للفوضى، واستمرار مسلسل القتل والفساد، وتأجيل أي حلم بالأمن أو الاستقرار أو التنمية.

أما مدينة تعز، التي كان يفترض أن تكون قلعة للوعي والمقاومة، فقد تحولت بفعل تغول الفساد إلى مثال يُستشهد به على سوء إدارة المؤسسات. سمعتها المثقلة بالخراب أصبح الحوثي يستثمرها ليطعن بها خاصرة الشرعية، ويزرع اليأس في نفوس من لا يزالون يراهنون عليها. هذا التشويه لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج هيمنة جماعة حولت مؤسسات الدولة إلى إقطاعيات خاصة.

الفساد، الذي يُعد جريمة في أي دولة، أصبح عند جماعة الإصلاح أداة عمل، وسيلة ترقية، وجسرًا لتحقيق المصالح الشخصية وتنفيذ أجندات الخارج. لم يعد استثناءً أو انحرافًا، بل أصبح ثقافة وسلوكًا عامًا، تُدار به المكاتب وتُحسم به القرارات.

في تعز، يعيش قادة الإصلاح في عالم موازٍ من سيارات فارهة وعقارات وحسابات بنكية ونفوذ لا يعرف حدودًا، دون أن يلتفتوا لانهيار مؤسسات الدولة أو وجع المواطن، ولا يبالون بغضبه إن خرج محتجًا. أما المواطن المتظاهر، فلا يُنظر إليه كمواطن يطالب بحقه، بل يُوصف بـ«العميل» الذي تحركه أيادٍ أجنبية.

هكذا غرقت القطاعات المدنية والأمنية والعسكرية في مستنقع الفساد، وهكذا تحولت الحرب من مأساة وطنية إلى فرصة استثمار تغذي النفوذ المالي والسياسي والعسكري للجماعة. ومع تركز القرار في أيدي شخصيات محسوبة على الإصلاح داخل هرم السلطة، ازدادت الجرأة على المضي في الطريق ذاته بلا رادع أو محاسبة.

وفي النهاية، لم يحصد مواطنو تعز سوى المرّ: خدمات منهارة، أمن غائب، وشرعية تآكلت صورتها. إن استعادة الأمل لا تبدأ بالشعارات، بل بتفكيك منظومة الفساد وإنهاء هيمنة الجماعات التي اختطفت الدولة باسم الدين وأفرغت السياسة من معناها. الدولة لا تُبنى بوجوه تتغذى على الفوضى، بل بإرادة قانونية ومشروع وطني لا يساوم على كرامة الإنسان.

في اليمن، حيث تتكدس المعاناة تحت أقدام السلطة والفساد، برزت شخصية جدلية من محيطها الضيق إلى قلب المشهد العام، وهي توكل كرمان، التي صعدت على وجع اليمنيين واعتاشت على أموالٍ تم نهبها بلا خجل، أموال سُحبت من الخزينة العامة على يد زوجها إسماعيل النهمي، الذي حُكم عليه بالسجن وفق حكم الشعبة الجزائية بمحكمة استئناف عدن في القضية الجنائية رقم 122 لعام 1999.

الفضائح التي تحيط بها ليست مجرد وقائع، بل ترجمة حية لمشهد اليمن السياسي الممزق. فقد تبرّأ منها حزب الإصلاح حين شعر بثقل التهم وسمعة الدماء، لكنها أظهرت وجهها الحقيقي حين صنفت هيئة كبار العلماء في السعودية التنظيم الإرهابي الذي انتمت إليه، كاشفة عن حقيقة تطرفها بلا مواربة.

حتى أقرب الناس إليها، لم يعد أحد يتحمل سلوكها. والدها، عبد السلام كرمان، أعلن شعوره بالخجل منها وبقلة أدبها، وهو مشهد نادر في مجتمع يقدس العائلة وسمعتها، لكنه صار حقيقة لا يمكن تجاوزها.