ما أشبه الليلة بالبارحة… ففي الذاكرة القريبة، كانت عملية تحرير ساحل حضرموت من عناصر تنظيم القاعدة عملية خاطفة لم تتجاوز أربعًا وعشرين ساعة. ظنّ البعض أن عنصر المفاجأة قد يُربك المشهد، لكن ما جرى بعدها أكد حقيقة راسخة: حضرموت لا تُفاجَأ، بل تُفاجِئ.
تلاحم الشعب يومها مع قوات النخبة الحضرمية لم يكن شعارًا عاطفيًا، بل موقفًا عمليًا تُرجم على الأرض. قوة تحرّكت من مسافة تقارب 200 كيلومتر، بثلاثة أرتال، وبخطط دقيقة وإرادة صلبة، لتجتاح معسكرات القاعدة وخطوط دفاعها وصولًا إلى ساحل حضرموت في زمن قياسي. معركة أُديرت بعقل القادة، وحُسمت بعزيمة الرجال، وسُجلت في التاريخ كنموذج لنجاح الأمن حين يستند إلى إجماع شعبي وثقة متبادلة.
ولم تكن تلك النجاحات الباهرة، ولا ذلك المستوى العالي من الانضباط والتدريب الذي أظهرته قوات النخبة الحضرمية والقوات الجنوبية، وليدة الصدفة، بل جاءت ثمرة دعمٍ لامحدود من قيادة قوات التحالف العربي، بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، دعمٍ استراتيجي أسهم في بناء القدرات، ورفع الجاهزية، وتحقيق التفوق الميداني في معارك مصيرية ضد الإرهاب.
دارت المعركة بسرعة، لكن خلف هذا الحسم كان هناك إعداد عميق، ووعي دقيق بالميدان، وإدراك لطبيعة العدو وأساليبه. فجاء الحسم نظيفًا، والرسالة واضحة لا لبس فيها: حضرموت أرض لا تحتضن الإرهاب، ولا تسمح له أن يتجذر أو يعيد إنتاج نفسه.
واليوم، يعيد التاريخ نفسه ولكن بوجهٍ آخر. وادي حضرموت يُعلن تحرره من قوى الإرهاب، ومن العناصر المتخابرة معها، ومن فلول داعش، على يد القوات الجنوبية. معركة أخرى خاطفة، امتدت من الصباح حتى الظهيرة، تحررت خلالها مدن الوادي واحدة تلو الأخرى، في مشهد جسّد أروع معاني الشجاعة والانضباط وحسن القيادة.
وفي هذا المنجز، كانت القوات الجنوبية جنبًا إلى جنب مع إخوتها في قوات النخبة الحضرمية، بتنسيقٍ عالٍ، وعملٍ مشترك اتسم بالكفاءة والمسؤولية، ما أفضى إلى نتائج ميدانية باهرة أكدت أن توحيد الجهود، وتكامل الأدوار، هو الطريق الأقصر نحو الحسم والاستقرار.
كل التحية لهؤلاء الأبطال الشجعان الذين اجتاحوا دفاعات العدو بثبات وشجاعة وفي أسرع وقت ممكن، والرحمة والمغفرة لشهدائنا الأبرار الذين قدّموا أرواحهم فداءً للأرض والكرامة، والشفاء العاجل للجرحى، أولئك الذين كتبوا بدمائهم فصول النصر، وتركوا للتاريخ شهادة لا تُمحى.
هذه حضرموت… أرض يفهم أبناؤها تعقيدات الواقع من حولهم، ويُدركون أن النجاح لا يُصنع بالصخب، بل بالعمل، ولا يتحقق بالشعارات، بل بالتضحية والوعي. هنا، ينتصر الناس حين يثقون بقواتهم، وتنتصر القوات حين تستمد شرعيتها من شعبها.
واليوم، تقف هذه القوة الوطنية الصلبة أمام مسؤولية متجددة، تتمثل في التصدي لأي أعمال تخريبية أو إرهابية، سواء كانت من قوى متطرفة أو أطراف متعاطفة مع الإرهاب، وترسيخ الأمن، والسهر على استقرار حضرموت ساحلًا وواديًا، باعتباره واجبًا وطنيًا لا يقبل التهاون ولا المساومة.
حضرموت لا تبحث عن الفوضى، ولا تُغريها المغامرات، لكنها حين تُفرض عليها المواجهة، تختار الحسم السريع، والعقل الهادئ، واليد القوية. وهكذا كانت… وهكذا ستبقى.
اللواء الركن فرج سالمين البحسني عضو مجلس القيادة الرئاسي