الخميس , 3 يوليو 2025
نوال باقطيان
تعد عمالة الأطفال من أبرز المشاكل التي تؤرق المجتمعات في العالم، فهي تنتهك حقوقهم وتهدد مستقبلهم وتعيق عملية التنمية والبناء، خصوصًا في البلدان التي تعاني من أزمات اقتصادية وسياسية مزمنة. وتزداد ظاهرة عمالة الأطفال في المناطق التي تشهد صراعات مسلحة، حيث يضطر الأطفال إلى ترك مقاعد الدراسة والانخراط في سوق العمل من أجل مساعدة أسرهم على البقاء.
في البلدان العربية، وتحديدًا اليمن، تتفاقم هذه الظاهرة بصورة مأساوية، حيث بات الأطفال يعملون في مهن شاقة وخطرة تهدد حياتهم، بل وتتسبب لهم في أضرار صحية ونفسية جسيمة، وسط غياب شبه تام للرقابة الحكومية، وانعدام تام للدور المجتمعي في التصدي لهذه الكارثة.
ولا تقتصر عمالة الأطفال على الذكور فقط، بل تشمل الإناث أيضًا، حيث تُجبر الفتيات على العمل في أعمال منزلية شاقة، أو التسول، أو الزواج المبكر تحت ضغط الحاجة والفقر.
تعريف عمالة الأطفال:
تعرف عمالة الأطفال بأنها “أي نشاط اقتصادي أو عمل يُمارَس من قبل الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة، ويحرمهم من حقوقهم الأساسية مثل التعليم، والصحة، والنمو الطبيعي، ويعرضهم للاستغلال والإيذاء الجسدي والنفسي”.
وتعد عمالة الأطفال من أخطر الظواهر التي تواجه المجتمعات، لما لها من انعكاسات سلبية على الطفل والمجتمع معًا، حيث تتسبب في تدمير مستقبل الأطفال، وتحرمهم من التعليم وتعرضهم لمخاطر صحية ونفسية جسيمة، كما تعيق عملية التنمية وبناء مجتمع قوي خالٍ من الأمراض الاجتماعية.
أعداد مخيفة:
تشير تقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” إلى أن هناك أكثر من 160 مليون طفل حول العالم يشاركون في سوق العمل، منهم حوالي 79 مليون طفل يؤدون أعمالًا خطرة تهدد حياتهم وصحتهم. وتتركز نسبة كبيرة من هؤلاء الأطفال في الدول النامية، وتحديدًا في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وآسيا.
وفي العالم العربي، تفصل التقديرات أن أكثر من 18 مليون طفل عربي يعملون في مهن شتى، بينهم أطفال في سن الخامسة يعملون بدوام كامل.
أشكال عمالة الأطفال:
لا تقتصر عمالة الأطفال على الأعمال الشاقة، بل تشمل كل أشكال الاستغلال الاقتصادي لهم، مثل العمل في الورش، المصانع، الزراعة، بيع السلع في الشوارع، أعمال البناء، جمع القمامة، تلميع السيارات، الخدمة المنزلية، التسول، والتهريب، بالإضافة إلى استغلالهم في النزاعات المسلحة واستخدامهم كجنود أو حراس أو جواسيس.
وتتنوع أسباب عمالة الأطفال بين الفقر المدقع، والبطالة، والحروب، وغياب التعليم، وتفكك الأسر، والعادات الاجتماعية الخاطئة التي تشجع على تشغيل الأطفال، وضعف القوانين، وغياب الرقابة والمساءلة.
الآثار النفسية:
لعمالة الأطفال آثار نفسية كارثية، تقول الاختصاصية النفسية أروى البكري إن الطفل العامل يواجه ضغوطًا لا يحتملها عمره، كالعنف، والتحرش، والتسلط، مما يؤدي إلى إصابته بالاكتئاب، والقلق، وانعدام الثقة بالنفس، بالإضافة إلى فقدان الطفولة وحرمانه من النمو السليم.
وتضيف: “يفقد الطفل العامل إحساسه بالأمان، ويعتاد المعاملة القاسية، ويتحول إلى شخص عدواني أو منغلق، ما ينعكس لاحقًا على سلوكياته في المجتمع، وقد يتجه إلى الجريمة أو التشرد”.
عمالة الأطفال في مناطق الحوثيين:
الأطفال في اليمن تعاني من تزايد ظاهرة عمالة الأطفال، نتيجة للحرب التي أرهقت أغلب العائلات وأفقدتها مصادر الدخل، وتسببت في تسرب الأطفال من التعليم. حيث يُجبر الأطفال على ترك المدارس للعمل من أجل إعالة أسرهم.
وتعد المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين من أكثر المناطق التي تعاني من تفشي هذه الظاهرة، خصوصًا مع تجنيد الأطفال في صفوف المليشيا، وإجبارهم على حمل السلاح والمشاركة في القتال، مقابل رواتب زهيدة، أو بضغط من الحاجة، أو مقابل ضمان حياة أسرهم.
وتشير تقارير حقوقية إلى أن الحوثيين جندوا أكثر من 30 ألف طفل في صفوفهم منذ بداية الحرب، ويدفعون بهم إلى الجبهات دون تدريب، مما يعرضهم للموت أو الإصابة، فضلًا عن تعرضهم لغسيل دماغ عقائدي يحوّلهم إلى أدوات طيعة في أيدي القيادات الحوثية.
وفي فترة المراهقة، تتشكل لدى الشخصية الإنسانية ملامحها العامة، وبالتالي، فإن عمالة الأطفال لا تترك أثرًا سلبيًا مؤقتًا، بل تخلّف ندوبًا طويلة الأمد يعيش حياتك كطفل.
ويضيف: “تسلب تجربة عمالة الطفل كرامته، إذ يشعر كمن يُختطف من طفولته ويُرمى في سلوكيات لا تليق بعمره، وبدلاً من أن يحظى بالحب والرعاية، يواجه القسوة والرفض والاستغلال القاسي لهم”.
**يستعيد بليغ، الطفل في الثانية عشرة من عمره، ذاكرته عن تجربته المريرة في تنظيف السيارات بالشوارع، ويقول: “كنت أتعرض للضرب من صاحب الورشة إذا تأخرت، وكان يأخذ مني نصف ما أجنيه، وأحيانًا لا يدفع لي شيئًا”.
ويضيف: “كنت أشتري خبزًا وأرقد على الرصيف، وحينًا أذهب لوالدتي المريضة التي لم تكن تستطيع مساعدتي، فاضطر للعمل منذ كان عمري 8 سنوات، وكنت أواجه عنف الشارع وأتلقى شتائم من الكبار.**
حلول مطلوبة:
من أجل الحد من ظاهرة عمالة الأطفال، يجب العمل على عدة محاور، تبدأ من تفعيل القوانين الرادعة التي تمنع تشغيل الأطفال، مرورًا بتمكين الأسر اقتصاديًا، وتوفير التعليم المجاني، والرعاية الصحية، ووصولًا إلى تعزيز دور الإعلام والمجتمع المدني في التوعية بخطر هذه الظاهرة، والتعاون مع المنظمات الدولية لإنقاذ الأطفال العاملين وإعادتهم إلى مقاعد الدراسة.
يوليو 2, 2025
يونيو 29, 2025
يونيو 26, 2025
يونيو 26, 2025